كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأن لا يكلفهم طلب حقائق الاشياء من عنده جل وعز وقيل انما ينهى عن هذا لأن الله جل وعز أحب الستر على عباده رحمة منه لهم وأحب أن لا يقترحوا المسائل وقال النبي صلى الله عليه وسلم «اتركوني ما تركتكم فانما هلك من كان قبلكم لكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم» وروى عبد الكريم عن سعيد بن جبير قال نزلت {لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم} في الذين سألوا عن البحيرة والسائبة والوصيلة ألا ترى أن بعده {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} قلت أحسن هذه الأقوال الثاني وأن الله جل وعز أحب الستر على عباده ورد أحكامهم إلى الظاهر الذي يقدرون عليه.
163 ودل على أن هذا الصحيح قوله جل وعز: {قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين} قال مقسم فيما سألت الامم أنبياءهم صلى الله عليهم وسلم من الآيات أي فأروهم اياها ثم كفر فومهم الذي بها بعد واختلف أهل التفسير في (البحيرة والسائبة والوصيلة والحام) قال أبو جعفر ونذكر من قولهم ما وافقه قول أهل اللغة وهو معنى قول ابن عباس والضحاك البحيرة الناقة إذ نتجت خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا شقوا أذنها وخلوها لا تمنع من مرعى ولا يركبها أحد وفي رواية ابن عباس وعمدوا إلى الخامس فنحروه وكان لحمه للرجال دون النساء وان كانت أنثى استحيوها وتركوها ترعى مع أمها بعد شقهم أذن الام وتركهم الانتفاع بها وان كانت ميتة اشترك فيها الرجال والنساء وفي اشتقاقه قولان أحدهما أن يقال بحره إذا شقه والقول الآخر انه من الاتساع في الشيء مشبه بالبحر والسائبة أن ينذر أحدهم ان برأ من مرضه ليسيبن ناقة أو ما أشبه ذلك وإذا أعتق عبدا فقال هو سائبة لم يكن عليه ولاء.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (رأيت عمرو بن لحيي يجر قصبه في النار وهو أول من سيب السوائب.
والوصيلة في الغنم خاصة إذا ولدت الشاة سبعة أبطن فان كان السابع ذكرا ذبحوه وكان لحمه للرجال دون النساء وإذا ولدت أنثى لم يذبحوها وقالوا وصلت أخاها وفي الرواية عن ابن عباس قالوا وصلت أخاها ولم يشرب من لبنها الا الذكور خاصة وان كانت ميتة أكلها الرجال والنساء وتلا ابن عباس {وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا} الآية والحامي البعير إذا ولد له من صلبة عشرة أولاد قالوا قد حمى ظهره فلم يركب وخلي وكان بمنزلة البحيرة وفي الرواية عن ابن عباس انه البعير إذا ركب أولاد أولاده قالوا قد حمى ظهره.
فأعلم الله أن هذا افتراء منهم فقال: {ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون} قال الشعبي (الذين لا يعقلون) الاتباع والذين افتروا فعقلوا أنهم افتروا.
164 وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} أي الزموا أنفسكم فأصلحوها وخلصوها من العقاب.
165 ثم قال جل وعز: {لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} ليس في هذا دليل على الرخصة في ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والله عز وجل قد أمر بذلك وانما المعنى لا تؤاخذون بكفر من كفر وقد بين هذا في الحديث قال قيس بن أبي حازم سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه على المنبر يقول انكم تأولون {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ان الناس إذا عمل فيهم بالمعاصي ثم لم يغيروا أوشك الله جل وعز أن يعمهم بعقابه» وقال ابن مسعود في هذه الآية قولوها ما قبلت منكم فإذا ردت عليكم فعليكم أنفسكم وقال سعيد بن جبير هي في أهل الكتاب وقال مجاهد هي في اليهود والنصارى ومن كان مثلهم يذهبان إلى أن المعنى لا يضركم كفر أهل الكتاب إذا أدوا الجزية وهذا تفسير حديث أبي بكر فأما حديث ابن مسعود فعلى أن تأويل الآية على وقتين ففي أوقات من آخر الزمان يعمل بها كما قال أبو أمية الشعباني قلت لابي ثعلبة الخشني كيف أصنع بهذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}.
فقال سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ائتمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهو متبعا ودنيا مؤثرة واعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت الامر لا يدي لك به أو لا يد لك به فعليك بنفسك ودع العوام».
166 وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت} وقرأ الاعرج {شهادة بينكم} وقرأ أبو عبد الرحمن {شهادة بينكم} فمن قرأ {شهادة بينكم} و{شهادة بينكم} فالمعنى عنده شهادة اثنين ثم حذف شهادة وأقام اثنين مقامها في الاعراب ويجوز أن يكون المعنى ليكن أن يشهد اثنان ومن قرأ {شهادة بينكم} فهو عنده بغير حذف والمعنى أن يشهد اثنان.
167 فأما قوله تعالى: {اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم} ففي هذا اختلاف كبير قال أبو موسى الاشعري وابن عباس {ذو عدل منكم} من أهل دينكم {أو آخران من غيركم} من أهل الكتاب وقال بهذا القول من التابعين عبيدة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وشريح وابن سيرين والشعبي.
وقال الحسن والزهري {ذوا عدل منكم} من أقربائكم لانهم أعلم بأموركم من غيرهم {أو آخران من غيركم} من غير أقربائكم من المسلمين وقال من احتج لهذا القول قد أجمع المسلمون على أن شهادة أهل الكتاب لا تجوز على المسلمين في غير الوصية واجماعهم يقضي على اختلافهم وقال جل وعز: {ممن ترضون من الشهداء} فدل هذا على أن أحدا منهم ممن لا يرضى فالكافر يجب أن لا يرضى به أيضا فانه قال جل وعز: {تحبسونهما من بعد الصلاة} فكيف يعظم الكافر الصلاة وقال ابراهيم النخعي الآية منسوخة نسخها {وأشهدوا ذوي عدل منكم} وقال زيد بن أسلم كان ذلك والارض حرب والناس يتوارثون بالوصية وتوفي رجل وليس عنده أحد من أهل الاسلام فنزلت هذه الآية ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض ومعنى {تحبسونهما من بعد الصلاة} من بعد صلاة العصر ومعنى {لا نشتري به ثمنا} بما شهدنا عليه.
168 ثم قال جل وعز: {ولو كان ذا قربى} معناه وان كان ذا قربى كما قال سبحانه: {ولو افتدى به}
169 ثم قال جل وعز: {ولا نكتم شهادة الله انا إذا لمن الآثمين}
وقرأ عبد الله بن مسلم {ولا نكتم شهادة الله} وهو يحتمل معنيين أحدهما أن المعنى ولا نكتم الله شهادة والمعنى الآخر ولا نكتم شهادة والله ثم حذف الواو ونصب وقرأ الشعبي {ولا نكتم شهادة الله} هذا عند أكثر أهل العربية لحن وان كان سيبوبه قد أجاز حذف القسم والخفض وقرأ أبو عبد الرحمن {ولا نكتم شهادة الله} على الاستفهام.
170 وقوله جل وعز: {فان عثر على انهما استحقا اثما} قال ابراهيم النخعي المعنى فان اطلع.
171 ثم قال جل وعز: {فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الاوليان}
ان اطلع عليهما بخيانة فأمر اثنان من أولياء الميت فحلفا واستحقا وقال أبو اسحاق وهذا موضع مشكل من الاعراب والمعنى وقد قيل فيه أقوال منها أن المعنى من الذين استحق فيهم الاوليان فقامت {على}
مقام «في» كما قامت {في} مقام «على» في قوله تعالى: {ولاصلبنكم في جذوع النخل} وقيل المعنى من الذين استحق منهم الاوليان وقامت {على} مقام «من» كما قال تعالى: {الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون} أي من الناس قال والقول المختار أن المعنى عندي ليقم الاولى بالميت فالاوليان لأن بدل من الالف في يقومان والمعنى من الذين استحق عليهم الايصاء.
وأنكر ابن عباس هذه القراءة وقرأ {من الذين استحق عليهم الاولين} وقال أرأيت ان كان الاوليان صغيرين.
172 وقوله جل وعز: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم} هذا السؤال على جهة التوبيخ لمن كذبهم وفي معنى الآية قولان أحدهما أنهم لما سئلوا فزعوا فزال وهمهم فقالوا لا علم لنا قال مجاهد لما قيل لهم ماذا أجبتم فزعوا فقالوا لا علم لنا فلما ثابت عقولهم خبروا بما علموا والقول الآخر أن المعنى لا علم لنا بما غاب عنا وقيل يدل على صحة هذا القول {انك أنت علام الغيوب}.
وهذا مذهب ابن جريج وروى حجاج عن ابن جريج في قوله عز وجل: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} قال قيل لهم ما علمتم من الامم بعدكم قالوا لا علم لنا قال أبو عبيد ويشبه هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «يرد الحوض أقوام فيختلجون فأقول أمتي فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك».
173 وقوله عز وجل: {إذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك} نعمته على مريم أنه جل وعز اصطفاها وطهرها.
وقال جل وعز: {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا}.
174 وقوله جل وعز: {إذ أيدتك بروح القدس} أيدتك قويتك وروح القدس جبريل صلى الله عليه وسلم قيل قواه به حين هموا بقتله وقواه به في الحجة.
175 وقوله جل وعز: {واذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي} قيل معنى أوحيت هاهنا ألهمت كما قال تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل}.
وقيل معناه أمرت كما قال الشاعر وحى لها القرار فاستقرت.
وقيل معنى أوحيت هاهنا بينت ودللت بالآيات والبراهين.
176 وقوله جل وعز: {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} روى شيبة بن نصاح المقري عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها قالت كان الحواريون أعرف بالله من أن يقولوا {هل يستطيع ربك} ولكن قالوا {هل تستطيع ربك} وقرأ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ومعاذ وابن عباس {هل تستطيع ربك} وكذلك قرأ سعيد بن جبير.
وقال سعيد انما هو هل تستطيع أن تسأل ربك والتقدير عند أهل العربية على هذه القراءة هل تستطيع سؤال ربك ثم حذف كما قال: {واسأل القرية} و{هل يستطيع ربك} حسن بغير حذف معروف في كلام العرب أن يقال هل يستطيع أن يقوم بمعنى هل يستطيع أن يفعل ذلك بمسألتي وأنت تعرف أنه يستطيعه وفي سؤال الحواريين تنزيل المائدة قولان أحدهما أنهم سألوا ذلك ليتبينوا كما قال ابراهيم عليه السلام {رب أرني كيف تحيي الموتى} والقول الآخر أن يكون سؤالهم هذا من قبل أن يعلموا أن عيسى يبرئ الاكمه والابرص.
فأما قول عيسى لهم {اتقوا الله إن كنتم مؤمنين} فيعني أن لا تقترحوا الآيات ولا تسألوا ما لم يسأل غيركم من الامم قال أبو عبيدة {مائدة} من الطعام وهي فاعلة بمعنى مفعولة كما قال جل وعز: {في عيشة راضية} وقال أبو إسحاق {مائدة} عندي من ماد يميد إذا تحرك وقرأ عاصم الجحدري {تكون لنا عيدا لاولانا وقد وأخرانا} وقرأ الاعمش {تكن لنا عيدا}
وقيل انها أنزلت وقيل انها لم تنزل والصواب أن يقال انها أنزلت لقوله جل وعز: {قال الله اني منزلها عليكم} وروى قتادة عن خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر وبعضهم يرفعه قال «أنزلت المائدة خبزا ولحما وأمروا أن لا يخزنوا علي ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا فمسخوا خنازير حدثنا القاسم بن زكريا المطرز نا الحسين بن قرعة قال نا ابن حبيب عن سعيد بن قتادة عن خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنزلت المائدة خبزا ولحما فأمروا أن لا يدخروا ولا يرفعوا فادخروا ورفعوا فمسخوا قردة وخنازير».
ويروى أن هذه محنة أمر الله جل وعز امتحانهم بها قال عبد الله بن مسعود أشد الناس عذابا أصحاب المائدة وآل فرعون والمنافقون وقال الحسن لما أو عدوا بالعذاب ان هم عصوا قالوا لا حاجة لنا بها فلم تنزل وقال مجاهد لما قيل لهم {فمن يكفر بعد منكم فاني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين} امتنعوا من نزولها لم تنزل وقيل ان هذا العذاب في الآخرة.
177 وقوله جل وعز: {واذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله قال سبحانك} في معنى هذا قولان أحدهما أن هذا يقال له في الآخرة قال قتادة يقال له هذا يوم القيامة قال ألا ترى أنه قال: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} لا يكون الا يوم القيامة وقال السدي انه قال هذا حين رفعه لأنه قال: {ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم} فانما هذا على أنهم في الدنيا أي ان تغفر لهم بعد التوبة واحتج لصاحب هذا القول بأن (إذ) في كلام العرب لما مضى.